السعي بين الصفا والمروة ليس مجرد شعيرة يؤديها الحجاج والمعتمرون، بل هو نسك يروي قصة مؤثرة من تاريخ الإنسانية والإيمان، يرتبط هذا النسك بقصة السيدة هاجر وابنها إسماعيل عليهما السلام، قصة تجسد معاني التوكل على الله والسعي الحثيث والصبر في مواجهة الابتلاءات.
حينما أمر الله سبحانه وتعالى النبي إبراهيم عليه السلام بترك زوجته هاجر ورضيعها إسماعيل عليهما السلام في وادٍ قاحل بجوار البيت الحرام، امتثل إبراهيم للأمر الإلهي بثقة تامة في تدبير الله، تاركاً أسرته في آمان الله، في مواجهة الوحدة والجوع والعطش، وقفت السيدة هاجر بإيمان قوي متوكلة على الله، ولكن بعد نفاد الماء والطعام، بدأت رحلة البحث عن أي مصدر للحياة.
انطلقت السيدة هاجر تسعى بين جبلي الصفا والمروة، راكضة سبع مرات في تضاريس قاسية تحت شمس حارقة، وكلها يقين بأن الله لن يتركها، كانت خطواتها رمزاً للإصرار والعمل، دون استسلام للظروف الصعبة، وفي لحظة بدا فيها الأمل بعيداً، جاء الفرج الإلهي بنبع ماء زمزم الذي تفجر تحت قدمي طفلها إسماعيل عليه السلام، ليصبح هذا الماء المبارك مصدراً للحياة ومعلماً خالداً في تاريخ المسلمين.
قال الله تعالى: }إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ{ (سورة البقرة: 158).
أداء السعي بين الصفا والمروة:
• النية: يبدأ المسلم النسك بتجديد النية، وهو ركن أساسي يعبر عن إخلاص العبادة لله.
• عدد الأشواط: السعي يتكون من سبعة أشواط، يبدأ من الصفا وينتهي عند المروة.
• البدء بالصعود إلى الصفا:
• عند الصعود إلى الصفا، يقول الحاج أو المعتمر: “إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به”.
• يستحب الدعاء والذكر على الصفا.
• السعي بين الجبلين:
• يتحرك الساعي بين الصفا والمروة في مشيه أو ركضه، وفقاً لقدرته مستذكراً السيدة هاجر وسعيها.
• بين العلمين الأخضرين، يسرع الرجال في السعي، اقتداءً بالسنة النبوية.
• الختام عند المروة: ينتهي السعي عند الوصول إلى المروة، ويُستحب الدعاء ختاماً.
الدروس والعبر من السعي:
• التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب: يعكس السعي بين الصفا والمروة التكامل بين التوكل القلبي على الله والعمل الجاد، فالإيمان الحقيقي لا يُختبر إلا بالسعي والاجتهاد مع الثقة بأن النتائج بيد الله وحده سبحانه وتعالى.
• الإصرار في مواجهة التحديات: تجسد خطوات السيدة هاجر بين الجبلين مثالاً حياً على عدم الاستسلام رغم قسوة الظروف، مما يعلمنا الصبر والمثابرة في مواجهة الأزمات.
• رحمة الله واستجابته لعباده: القصة تبرز عظمة رحمة الله ولطفه بعباده المؤمنين الذين يثقون فيه، ففي اللحظة التي بدا فيها الأمل مفقوداً، جاء الفرج الإلهي بنبع زمزم، القصة تُظهر لنا أن الله قريب من عباده، يسمع دعاءهم ويستجيب لهم في الوقت المناسب.
• ارتباط الشعائر بالماضي المُلهم: كل خطوة بين الصفا والمروة تربط الحجاج برحلة الإيمان العظيمة التي خاضتها السيدة هاجر، مما يجعل أداء هذا النسك تجربة تجمع بين الروحانية والإلهام.
السعي بين الصفا والمروة هو درس خالد في معاني الإيمان والتوكل والعمل، وهو محطة روحانية تعزز صلة المسلم بالله، وتجسد التقاء الجهد البشري برحمة الله الواسعة، كل خطوة في هذا النسك تذكير للمسلم بأن الإخلاص والعمل هما مفتاحا القرب من الله.
