رمي الجمرات هو أحد مناسك الحج المهمة، ولا يرتبط هذا النسك بالمعتمر ويأتي في ترتيب المناسك بعد الإفاضة من مزدلفة إلى منى، حيث يبدأ الحجاج بتنفيذ هذا النسك في أيام التشريق، يمثل رمي الجمرات تجسيداً رمزياً للصراع الدائم بين الإنسان والشيطان، هذا النسك يرتبط بقصة ملهمة من حياة النبي إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام، حيث تجسد المعاني العميقة وتجديد العهد مع الله بالثبات على طاعته والتمسك بالإيمان.
يرتبط رمي الجمرات بقصة النبي إبراهيم عليه السلام عندما ابتلاه الله بأمر عظيم، وهو التضحية بابنه إسماعيل عليه السلام، رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه، ورؤيا الأنبياء وحيٌ من الله، فأخبر ابنه بالرؤيا، فجاء رد إسماعيل عليه السلام مفعماً بالإيمان والصبر، في قوله تعالى:
}يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ { (سورة الصافات: 102)
خلال هذا الاختبار العظيم، حاول الشيطان إغواء إبراهيم عليه السلام لصرفه عن طاعة الله، حدث ذلك في ثلاثة مواقع (مواضع الجمرات اليوم)، حيث واجهه إبراهيم عليه السلام بثبات ورماه بالحجارة تعبيراً عن رفضه لوساوسه، وانتصاراً للطاعة على الإغواء، عندما وصل إبراهيم إلى اللحظة الحاسمة واستسلم للأمر الإلهي، جاء الفرج من الله سبحانه وتعالى، وفدى إسماعيل بكبش عظيم، قال الله تعالى:
}فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {(سورة الصافات: 103-107).
أداء نسك رمي الجمرات:
• النية: يبدأ الحاج هذا النسك بنية صادقة لأداء شعيرة رمي الجمرات كعبادة لله.
• الأيام المخصصة للرمي: يتم رمي الجمرات في أيام التشريق الثلاثة (11، 12، و13 من ذي الحجة) بعد يوم النحر.
• الجمرات الثلاث:
• الجمرة الصغرى: تُرمى أولاً بسبع حصيات.
• الجمرة الوسطى: تُرمى بعدها بسبع حصيات.
• الجمرة الكبرى (جمرة العقبة): تُرمى أخيراً بسبع حصيات.
• كيفية الرمي:
• يُمسك الحاج الحصاة بأطراف أصابعه، ويكبر عند رمي كل حصاة، قائلاً: “الله أكبر.
• يستحب أن يكون حجم الحصاة متوسطاً يشبه حجم حبة الحمص.
• الدعاء:
• بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى، يُستحب الوقوف والدعاء متوجهاً إلى القبلة.
• بعد رمي الجمرة الكبرى، ينتقل الحاج مباشرة دون توقف.
• الإلزام:
• الحاج ملزم بأداء رمي الجمرات كجزء من أركان الحج.
• إذا تعذّر عليه الرمي (لكبر السن أو المرض)، يمكنه أن يوكل غيره لرمي الجمرات عنه.
الدروس والعِبر من نسك رمي الجمرات:
• مقاومة الشيطان: يمثل رمي الجمرات مواجهة مباشرة مع وساوس الشيطان، ويذكرنا بضرورة الثبات في كل مواقف الحياة.
• الطاعة والتضحية: يعيد هذا النسك إلى الأذهان أهمية التضحية في سبيل طاعة الله، والاستعداد للتخلي عن كل ما يُبعدنا عن رضاه.
• تجديد العهد مع الله: يُعتبر رمي الجمرات إعلاناً لتجديد العهد مع الله، بأن نبتعد عن الإغواء ونبقى على طريق الحق.
رمي الجمرات ليس مجرد رمي حصيات، بل هو تجربة روحية عميقة تذكر المسلم بصراعه الدائم مع الشيطان، وتحثه على الثبات أمام الشرور والابتلاءات، من خلال هذا النسك، يُجسد الحاج معنى الطاعة المطلقة لله والثقة بوعده، ويعيد التأكيد على أن الإيمان الحق يتطلب قوة الإرادة والإخلاص.